عمي العروسي , قصة
بائع النعناع و "الصمود " بقابس ...
مع إطلالة يوم جديد
في مدينة قابس يطالعك خليجها بكل تناقضاته, ومع نزولك للقيام بجولة بسيطة في
"جارة" أو "المنزل" أو بقية مناطقها المميزة يلفت إنتباهك رجل
طاعن في السن , غزى الشيب لحيته , يرتدي "شاشية" أصيلة حمراء تغير لونها
من اثر الشمس الحارقة, و ملابس بسيطة , يجر دراجته الهوائية بهمة شاب في العشرين .
تلك الدراجة التي
صارت "ماركة مسجلة " لدى أهالي قابس و التي تحمل خلفها صندوقا مليئا
بالنعناع .
رجل تقوس ظهره ولكن
الابتسامة لا تفارقه.إبتسامة صادقة بكل تفاصيله.
إن خذلتك الحياة و
جعلتك تُحس أنك من المظلومين فوق هذه الأرض فأنت مُخطئ ....
مرحبا بك في قصة عمي
العروسي بائع النعناع و "الصمود" بقابس .
ثلاثة ايام بتمامها و
أنا أطارد عمي العروسي من مكان لآخر باحثا عنه , حتى وجدته يوما أمامي بجانب "سوق
الحنة" بقابس ...
مجرد مقابلته تجعلك
لا تحتاج لمدرب في التنمية البشرية لتقف أمام شموخ رجل غير عادي .
هذا الشيخ طاقة عمل
بكل ما في الكلمة من معنى , يغادر جارا دراجته و التي تحمل الصندوق المليء
بالنعناع .
تنطلق رحلة طلب الرزق
مع فجر كل يوم , ولا غرابة فالأمر حسب قوله أصبح عاديا .تحدى تقلبات الطقس فلا
يهمه إن كانت الشمس حارقة أو الطقس شتوي بإمتياز ."شكون باش يعطيني كان
مانتعبش؟" هكذا أجابني في معادلة واضحة وبسيطة ودرس لكل شاب وشابة في هذا
الوطن.
أقاوم الشمس
"بالمظلة" و البرد "بالشاشية"...قالها بكل ثقة...
"شاقي ولا محتاج
" كلمة يرددها بكثرة في حواره الذي تكثر فيه التقاطعات بحكم مرور الحرفاء و
القاءهم السلام عليه.
علاقة غير عادية بين
بائع وحرفاءه ....لعله يبيعهم النعناع فيشترون درسا من دروس هذه الحياة ...عمي
العروسي يبيع الصمود و التحدي و يفرض على الجميع إحترامه.
ومع إنتهاء بيعه
للنعناع يشتري حاجياته الغذائية البسيطة ويعود الى بيته بشموخ.
لقد أصبح عمي العروسي
مثالا للنضال اليومي في مدينة قابس من أجل الكسب الحلال ولقمة العيش على قلة
أرباحه , ولكنه كسب في المقابل إحترام كل من يقابله أو يعرف قصة كفاحه اليومي و
المتواصل منذ سنين .
عمي العروسي روح هذا
الشعب , إبن من أبناء تونس العميقة, درس لمن أراد الصمود و التحدي .وورقة خضراء
أخرى من ورقات هذا الوطن , ورمز من رموز ولاية قابس.
إن قابلكم في الطريق
فبادروا بشراء نعناعه , فهي ليست عملية بيع عادية , إنما بشراءك منه تدعم قصة نضال
.
(بقلم : غسان
الخالدي)